فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال في روح البيان:

وفي الحكم العطائية أخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيبًا ومن حضرته قريبًا بالاستسلام لقهره، وذلك يقتضي وجود الحفظ من الله تعالى حتى لا يلم العبد بمعصية وإن ألم بها فلا تصدر منه وإذا صدرت منه فلا يصر عليها إذ الحفظ الامتناع من الذنب مع جواز الوقوع فيه والعصمة الامتناع من الذنب مع استحالة الوقوع في العصمة للأنبياء والحفظ للأولياء فقوله: {قَالَ إِنَّه يَقُولُ} يدل على الرجوع من الهفوة وعدم الإصرار وهذا إيمان محض. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ}.
احتج بها الفخر على أن جميع الأشياء من الخير والشر مخلوقة لله تعالى ومرادة له.
ورده ابن عرفة بإجماعنا على أن الداعي خلق الله تعالى فيقول الخصم: نحمل الآية عليه. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي}، قال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن وجه الاشتباه عليهم، إن كل بقرة لا تصلح عندهم أن تكون آية، لما علموا من ناقة صالح وما كان فيها من العجائب، فظنوا أن الحيوان لا يكون آية إلا إذا كان على ذلك الأسلوب، وذلك لما نبؤا أنها آية، سألوا عن ماهيتها وكيفيتها، ولذلك لم يسألوا موسى عن ذلك، بل سألوه أن يسأل الله لهم عن ذلك، إذ الله تعالى هو العالم بالآيات، وإنما سألوا عن التعيين، وإن كان اللفظ مقتضاه الإطلاق، لأنهم لو عملوا بمطلقه لم يحصل التقصي عن الأمر بيقين. انتهى كلامه.
وقال غيره: لما لم يمكن التماثل من كل وجه، وحصل الاشتباه، ساغ لهم السؤال، فأخبروا بسنها، فوجدوا مثلها في السن كثيرًا، فسألوا عن اللون، فأخبروا بذلك، فلم يزل اللبس بذلك، فسألوا عن العمل، فأخبروا بذلك، وعن بعض أوصافها الخاص بها، فزال اللبس بتبيين السن واللون والعمل وبعض الأوصاف، إذ وجود بقر كثير على هذه الأوصاف يندر، فهذا هو السبب الذي جرأهم على تكرار السؤال: {قالوا ادعُ لنا ربك يبين لنا ما هي}، تقدم الكلام على هذه الجملة.
{إن البقر تشابه علينا}: هذا تعليل لتكرار هذا السؤال إلى أن الحامل على استقصاء أوصاف هذه البقرة، وهو تشابهها علينا، فإنه كثير من البقر يماثلها في السن واللون.
وقرأ عكرمة ويحيى بن يعمر: إن الباقر، وقد تقدم أنه اسم جمع، قال الشاعر:
ما لي رأيتك بعد عهدك موحشًا ** خلقًا كحوض الباقر المتهدم

وقرأ الجمهور: تشابه، جعلوه فعلًا ماضيًا على وزن تفاعل، مسند الضمير البقر، على أن البقر مذكر.
وقرأ الحسن: تشابه، بضم الهاء، جعله مضارعًا محذوف التاء، وماضيه تشابه، وفيه ضمير يعود على البقر، على أن البقر مؤنث.
وقرأ الأعرج: كذلك، إلا أنه شدّد الشين، جعله مضارعًا وماضيه تشابه، أصله: تتشابه، فأدغم، وفيه ضمير يعود على البقر.
وروي أيضًا عن الحسن، وقرأ محمد المعيطي، المعروف بذي الشامة: تشبه علينا.
وقرأ مجاهد: تشبه، جعله ماضيًا على تفعل.
وقرأ ابن مسعود: يشابه، بالياء وتشديد الشين، جعله مضارعًا من تفاعل، ولكنه أدغم التاء في الشين.
وقرئ: {متشبه}، اسم فاعل من تشبه.
وقرأ بعضهم: {يتشابه}، مضارع تشابه، وفيه ضمير يعود على البقر.
وقرأ أُبي: {تشابهت}.
وقرأ الأعمش: {متشابه} و{متشابهة}.
وقرأ ابن أبي إسحاق: {تشابهت}، بتشديد الشين مع كونه فعلًا ماضيًا، وبتاء التأنيث آخره.
فهذه اثنا عشر قراءة.
وتوجيه هذه القراءات ظاهر، إلا قراءة ابن أبي إسحاق تشابهت، فقال بعض الناس: لا وجه لها.
وتبيين ما قاله: إن تشديد الشين إنما يكون بإدغام التاء فيها، والماضي لا يكون فيه تاءان، فتبقى إحداهما وتدغم الأخرى.
ويمكن أن توجه هذه القراءة على أن أصله: اشابهت، والتاء هي تاء البقرة، وأصله أن البقرة اشابهت علينا، ويقوي ذلك لحاق تاء التأنيث في آخر الفعل، أو اشابهت أصله: تشابهت، فأدغمت التاء في الشين واجتلبت همزة الوصل.
فحين أدرج ابن أبي إسحاق القراءة، صار اللفظ: أن البقرة اشابهت، فظن السامع أن تاء البقرة هي تاء في الفعل، إذ النطق واحد، فتوهم أنه قرأ: تشابهت، وهذا لا يظن بابن أبي إسحاق، فإنه رأس في علم النحو، وممن أخذ النحو عن أصحاب أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو.
وقد كان ابن أبي إسحاق يزري على العرب وعلى من يستشهد بكلامهم، كالفرزدق، إذا جاء في شعرهم ما ليس بالمشهور في كلام العرب، فكيف يقرأ قراءة لا وجه لها، وإن البقر تعليل للسؤال، كما تقول: أكرم زيدًا إنه عالم، فالحامل لهم على السؤال هو حصول تشابه البقر عليهم.
{وإنا إن شاء الله لمهتدون}: أي لمهتدون إلى عين البقرة المأمور بذبحها، أو إلى ما خفي من أمر القاتل، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا بذبح البقرة.
وفي تعليق هدايتهم بمشيئة الله إنابة وانقياد ودلالة على ندمهم على ترك موافقة الأمر.
وقد جاء في الحديث: «ولو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد».
وجواب هذا الشرط محذوف يدل عليه مضمون الجملة، أي إن شاء الله اهتدينا، وإذ حذف الجواب كان فعل الشرط ماضيًا في اللفظ ومنفيًا بلم، وقياس الشرط الذي حذف جوابه أن يتأخر عن الدليل على الجواب، فكان الترتيب أن يقال في الكلام: إن زيدًا لقائم إن شاء الله، أي: إن شاء الله فهو قائم، لكنه توسط هنا بين اسم إن وخبرها، ليحصل توافق رءوس الآي، وللاهتمام بتعليق الهداية بمشيئة الله، وجاء خبر إن اسمًا، لأنه أدل على الثبوت وعلى أن الهداية حاصلة لهم، وأكد بحر في التأكيد إن واللام، ولم يأتوا بهذا الشرط إلا على سبيل الأدب مع الله تعالى، إذ أخبروا بثبوت الهداية لهم.
وأكدوا تلك النسبة، ولو كان تعليقًا محضًا لما احتيج إلى تأكيد، ولكنه على قول القائل: أنا صانع كذا إن شاء الله، وهو متلبس بالصنع، فذكر إن شاء الله على طريق الأدب.
قال الماتريدي: إن قوم موسى، مع غلظ أفهامهم وقلة عقولهم، كانوا أعرف بالله وأكمل توحيدًا من المعتزلة، لأنهم قالوا: {وإنا إن شاء الله لمهتدون}، والمعتزلة يقولون: قد شاء الله أن يهتدوا، وهم شاءوا أن لا يهتدوا، فغلبت مشيئتهم مشيئة الله تعالى، حيث كان الأمر على: ما شاءوا إلا كما شاء الله تعالى، فتكون الآية حجة لنا على المعتزلة. انتهى كلامه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}.
وبرغم أن ما قيل لبني إسرائيل.. واضح تمام الوضوح عن البقرة.. وعمرها وشكلها ولونها ومنظرها.. فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن يؤدبهم فجعلهم ينظرون إلى البقر.. وهذا يقول هذه هي والآخر يقول لا بل هي في مكان كذا.. والثالث يقول لا بل هي في موقع كذا.. وعادوا إلى موسى يسألونه أن يعود إلى ربه ليبين لهم لأن البقر تشابه عليهم.. وهنا ذكروا الله الذي نسوه ولم ينفذوا أمره منذ أن قال لهم اذبحوا بقرة ثم قال لهم: {فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ}.. فطلبوا منه الهداية بعد أن تاهوا وضاعوا بسبب عنادهم وجدلهم.. وجاء الجواب من الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} البَقَر: اسم إن، وهو اسم جنس كما تقدم.
وقرأ محمد ذو الشامة الأموي: {إنّ البَاقِرَ} وهو جمع البَقَر كالجَامِل جماعة الجَمَل؛ قال الشاعر: الكامل:
مَالِي رَأَيْتُكَ بَعْدَ عَهْدِكَ مُوحِشًا ** خَلِقًا كَحَوْضِ البَاقِرِ المُتَهَدِّمِ

قال قطرب: يقال لجمع البقرة: بَقَر وبَاقِر وبَاقُور وبَيْقُور.
وقال الأَصْمَعِيّ: الباقر جمع باقرة، قال: ويجمع بقر على بَاقُورة، حكاه النّحاس.
قال القرطبي: والباقر والبقر والبيقور والبقير لُغَات بمعنى واحد والعرب تذكره وتؤنثه، وإلى ذلك ترجع معاني القراءات في {تشابه}.
و{تشابه} جملة فعلية في محلّ رفع خبر ل {إن}، وقرئ: {تَشَّابَهُ} مشدَّدًا ومخفَّفًا، وهو مضارع الأصل: {تَتَشَابَهُ} بتاءين، فَأُدْغِمَ تارةً، وحذف منه أخرَى، وكلا الوجهين مقيس.
وقرئ أيضًا: {يَشَّابَهُ} بالياء من تحت، وأصله: يَتَشَابَهُ فأدغم أيضًا، وتذكير الفعل وتأنيثه جائزات؛ لأن فاعله اسم جنس وفيه لغتان: التذكيرُ والتأنيثُ، قال تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] فَأَنَّث، و{أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 20] فذكر، وقيل: ذكر الفعل لتذكير لفظ البقرة؛ كقوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}.
وقال المبرِّد: سئل سِيبَوَيْهِ عن هذه الآية، فقال: كل جمع حروفه أقل من حروف وَاحِده، فإن العرب تذكره؛ واحتج بقول الأعشى: البسيط:
وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلْ ** وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أيُّهَا الرَّجُلُ

ولم يقل: مرتحلون.
وفي {تشابه} قراءات: {تَشَابَهَ} بتخفيف الشين وفتح الباء والهاء، وهي قراءة العامة.
و{تَتَشَابَه} بتاءين على الأصل.
و{تَشَّبَّه} بتشديد الشين والباء من غير ألف، والأصل: تَتَشَبَّهُ.
و{تَشَابَهَتْ} على وزن تَفَاعلت وهو في مصحف أُبَيّ كذلك أَنّثه لتأنيث البقرة.
و{مُتَشَابِهَة} و{مُتَشَبِّهة} على اسم الفاعل من تشابه وتشبّه.
وقرئ: {تَشَبَّهَ} ماضيًا.
وقرأ ابن أبي إسحاق: {تَشَّابَهَتْ} بتشديد الشين، قال أبو حاتم: هذا غلط، لأن التاء في هذا الباب لا تدغم إلاّ في المضارع.
وهو معذور في ذلك.
وقرئ: {تَشَّابَهَ} كذلك، إلاّ أنه بطرح تاء التأنيث، ووجهها على إشكالها أن يكون الأصل: إن القرة تشابهت، فالتاء الأولى من البقرة والتاء الثانية من الفعل، فلما اجتمع مثلان أدغم نحو: الشجرة تمايلت، إلاّ أنه يُشكِل أيضًا في تَشَّابَه من غير تاء؛ لأنه كان يجب ثبوت علامة التأنيث.
وجوابه: أنه مثل: المتقارب:
......... ** وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا

مع أن ابن كيسان لا يلتزم ذلك في السّعَةِ.
وقرأ الحسن {تَشَابَهُ} بتاء مفتوحة وهاء مضمومة وتخفيف الشين أراد: تتشابه.
وقرأ الأعرج: {تَشَّابَهُ} بفتح التاء وتشديد الشين وضمّ الهاء على معنى: تتشابه.
وقرأ مجاهد: {تَشَّبَّه} كقراءة الأعرج، إلا أنه بغير ألف.
ومعنى الآية: التلبيس والتشبه.
قيل: إنما قالوا: {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} أي: اشتبه أمره علينا، فلا نهتدي إليه؛ لأن وجوه البقر تتشابه يريد: أنها يشبه بعضها بعضًا، ووجوه البقر تتشابه.
قوله: {إِن شَاءَ الله} هذا شرط جوابه محذوف لدلالة {إنْ}، ما في حيّزها عليه، والتقدير: إن شاء الله هِدَايتنا للبقرة، اهتدينا، ولكنهم أخرجوه في جملة اسمية مؤكدة بحرفي تأكيد مبالغة في طلب الهِدَاية، واعترضوا بالشرط تيمُّنًا بمشيئة الله تعالى.
{لمهتدون} اللام: لام الابتداء داخلة على خبر إن.
وقال أبو البقاء: جواب الشرط إن وما عملت فيه عند سيبويه.
وجاز ذلك لما كان الشرط متوسطًا، وخبر إنَّ هو جواب الشرط في المعنى، وقد وقع بعده، فصار التقدير: إن شاء الله هدايتنا اهتدينا.
وهذا الذي قاله لا يجوز، فإنه متى وقع جواب الشرط ما لا يصلح أن يكون شرطًا وجب اقترانه بالفَاءِ، وهذه الجملة لا تصلح أن تقع شرطًا، فلو كانت جوابًا لزمتها الفاء، ولا تحذف إلا ضرورة، ولا جائز أن يريد أبو البقاء أنه دالّ على الجواب، وسماه جوابًا مجازًا؛ لأنه جعل ذلك مذهبًا للمبرد مقابلًا لمذهب سيبويه فقال: وقال المبرد: والجواب محذوف دلت عليه الجملة؛ لأن الشرط معترض، فالنية به التأخير، فيصير كقولك: أنت ظالم إن فعلت.
وهذا الذي نقله عن المبرد هو المنقول عن سيبويه، والذي نقله عن سيبويه قريبٌ مما نقل عن الكوفيين وأبي زيد من أنه يجوز تقديم جواب الشَّرْط عليه، وقد ردّ عليهم البصريون بقول العرب: أنت ظالم إن فعلت.
إذ لو كان جوابًا لوجب اقترانه بالفاء لما ذكرت ذلك.
وأصل مُهْتَدُون: مُهْتَدِيُون، فأعلّ بالحذف، وهو واضح. اهـ.

.تفسير الآية رقم (71):

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}: